
في خطوة من شأنها أن تُعيد رسم خارطة التجارة العالمية وتمنح المغرب موقعًا استراتيجيًا غير مسبوق، كشف باحثان مغربيان عن مشروع طموح لإنشاء ممر بحري عابر للقارات يربط بين الصين وروسيا وأفريقيا عبر ميناء الداخلة الأطلسي. وقد تم عرض هذا المشروع خلال مؤتمر "الحوار المفتوح حول مستقبل العالم" الذي انعقد في موسكو بين 28 و30 أبريل 2025، بحضور خبراء دوليين في مجالات الاقتصاد والنقل والجيوبوليتيك.
المشروع الذي يحمل عنوان "طريق الشمال البحري والممر العابر للقارات: ربط الصين وروسيا وأفريقيا عبر ميناء الداخلة الأطلسي" هو ثمرة تعاون بين الباحث يونس بنان، المتخصص في اللوجستيك الدولي ورئيس المعهد المغربي للدراسات الاجتماعية والإعلامية، والدكتورة سناء حواتة، أستاذة بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء. وقد أشار الباحثان إلى أن هذا الممر البحري الجديد يمكن أن يقلص مسافات الشحن بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالمسارات التقليدية مثل قناة السويس، مع تقليص تكاليف النقل والخدمات اللوجستية بما يتراوح بين 20% و30%.
وتتمثل الفكرة الجوهرية للمشروع في جعل ميناء الداخلة بوابة رئيسية للتجارة بين آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، والأمريكتين، مستفيدة من موقع المغرب الجغرافي الاستثنائي على المحيط الأطلسي. كما يعتمد المشروع على استخدام الطاقة النظيفة، من خلال تزويد السفن العابرة للممر بالهيدروجين الأخضر المنتج في الداخلة، حيث يخطط المغرب لتوليد ما يصل إلى 500 ميغاواط من هذه الطاقة النظيفة. ويُتوقع أن يساهم المشروع في تقليص الانبعاثات الكربونية بنسبة 25%، مما يعزز موقع المغرب في الساحة الدولية كمركز للطاقات المتجددة والمبادرات المستدامة.
الباحثان أبرزا أن هذا الممر الجديد لا يهدف فقط إلى تقليل الكلفة والمدة الزمنية للشحن البحري، بل يطمح أيضًا إلى تجاوز التحديات التي تواجهها الممرات التقليدية مثل قناة السويس التي تمثل حوالي 12% من التجارة العالمية، لكنها عرفت هشاشتها خلال أزمة جنوح السفينة "إيفر غيفن" عام 2021، بالإضافة إلى قناة بنما التي تواجه تحديات بيئية ومحدودية في السعة الاستيعابية. ويتميز الممر الجديد بمروره عبر طريق الشمال البحري على السواحل القطبية الروسية، ما يجعله أكثر أمانًا من الناحية الجيوسياسية نظرًا لتفاديه مناطق التوتر مثل البحر الأحمر.
وحسب الدراسة المقدمة، فإن المسار الجديد الممتد من شنغهاي إلى الداخلة ثم روتردام سيكون أقصر بنحو 15% من المسار الحالي عبر قناة السويس، ما ينعكس إيجابًا على أسعار الوقود وكفاءة سلاسل الإمداد العالمية. كما أن المغرب، في حال تنفيذ هذا المشروع، سيكون مسؤولًا عن 90% من العمليات اللوجستية، مع مشاركة كبرى لكل من الصين (بنسبة 85%) وروسيا (بنسبة 80%). هذا التموضع القوي للمغرب قد يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة، وفرص عمل قد تصل إلى 100,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة في القارة الأفريقية، عبر مشاريع للتصنيع المحلي، والتكوين المهني، وتطوير البنية التحتية.
ورغم الإمكانات الكبيرة التي يحملها المشروع، إلا أن الباحثين لم يغفلا التحديات المحتملة، خاصة على المستوى التقني في ما يخص الملاحة في المحيط القطبي الشمالي التي تتطلب تجهيزات متقدمة مثل كاسحات الجليد وموانئ مجهزة. كما أن التنسيق السياسي بين الدول المعنية سيشكل أحد العوامل الحاسمة في نجاح المبادرة، إضافة إلى ضرورة التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والمجتمعات المحلية.
الاقتراح المغربي يعكس طموحًا كبيرًا نحو إعادة تموقع البلاد كمركز محوري في التجارة العالمية المستدامة، ويأتي في سياق سعي المغرب لتعزيز شراكاته الدولية وتنويع اقتصاده وتعزيز نفوذه في سلاسل التوريد العالمية. وإذا ما تم تبني هذا المشروع من قبل القوى الدولية الكبرى، فإن ممر الداخلة البحري قد يتحول إلى إحدى أهم البنى التحتية الجيو-اقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق